حكم زراعة الشعر في الإسلام

حكم زراعة الشعر في الإسلام
بعد أن أصبحت زراعة الشعر متداولة بشكل كبير بين الناس في الآونة الأخيرة، ثارت بعض التساؤلات عما إذا ما كانت زراعة الشعر محرمة أو محللة، واختلفت آراء الناس بين من رآها محللة وهدفها تحسين للمظهر العام، ومن رآها محرمة من باب أنها تغيير في خلق الله، الأمر الذي جعل بعض الناس يمتنع عن القيام بعملية زراعة الشعر.

 

إن تساقط الشعر يعد أحد العيوب التي تصيب رأس الإنسان وتغير شكله وتفقد الشخص الذي يعاني منه الثقة بنفسه، وقد تسبب في بعض الأحيان مشاكل نفسية خصوصاً للنساء، حيث يعد الشعر من نعم الله علينا لما تعطيه للإنسان من مظهر جميل كما في قوله تعالى: ” وخلقنا الانسان في احسن تقويم”.

 

أجاز العلماء عملية زراعة الشعر بعد اطلاعهم على تفاصيل عملية زراعة الشعر وطريقة اقتطاف البصيلات وكيفية زراعتها، حيث أنها تعتمد على إعادة أعضاء الجسم الى الحالة التي كانت عليها عند خلق الإنسان، فمن المعروف أن زراعة الشعر لا تستهدف أماكن لا يمكن زراعة الشعر فيها، فهي فقط تعيد وجود الشعر في أماكن كان يملؤها الشعر سابقاً وهو الشيء الذي لا يعتبر تغييراً في خلقة الإنسان.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن ثلاثة فى بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأقرع فقال: أي شئ أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه وأعطى شعراً حسناً).

رواه البخاري 3277

والقاعدة الفقهية تقول : ” ما جاز طلبه جاز فعله ” فهذا الأقرع طلب أن يُرزَق بشعر حسن ممّا يدلّ على جواز فعله.

 

مجمع الفقه الإسلامي :

جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في ( ماليزيا 2007م) ، بشأن عمليات التجميل و حكم زراعة الشعر :

يجوز شرعا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها :

1- إعادة شكل أعضاء الجســــم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها لقوله سبحانه : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [العلق : 4 ].

2- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم .

3- إصلاح العيوب الخلقية مثل : الشفة المشقوقة ( الأرنبية ) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات ، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر .

4- إصلاح العيوب الطارئة ( المكتسبة ) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها مثل : زراعة الجلد وترقيعه ، وإعادة تشكيل الثدي كلياً حالة استئصاله ، أو جزئياً إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية ، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة .

5- إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً ” .

 

فتوى الشيخ ابن عثيمين في مسألة زراعة الشعر :

سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : تتم زراعة شعر المصاب بالصلع ، وذلك بأخذ شعر من خلف الرأس وزرعه في المكان المصاب ، فهل يجوز ذلك ؟

فأجاب : “نعم ، يجوز ؛ لأن هذا من باب ردّ ما خلق الله عز وجل ، ومن باب إزالة العيب ، وليس هو من باب التجميل أو الزيادة على ما خلق الله عز وجل ، فلا يكون من باب تغيير خلق الله ، بل هو من رد ما نقص وإزالة العيب ، ولا يخفى ما في قصة الثلاثة النفر الذي كان أحدهم أقرع وأخبر أنه يحب أن يرد الله عز وجل عليه شعره فمسحه الملك فردَّ الله عليه شعره فأعطي شعراً حسناً” انتهى من ” فتاوى علماء البلد الحرام” ص (1185) .

والحديث الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله رواه البخاري (3277) ومسلم (2964) .

 

أي أن العلماء اتفقوا على أن زراعة الشعر محللة في حالات (معالجة العيوب الخلقية الوراثية – معالجة العيوب الناتجة عن الحروق والأمراض الجلدية  – ألا تكون يكون بدافع التباهي والتزين )

 

وصلات الشعر والشعر المستعار:



وقد جاء عن رسول الله في هذا الشأن ما يلي: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري، فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئاً، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها. رواه البخاري ومسلم.
وهو ما يعني أن المرأة إذا قامت بوصل شعرها تكون آثمة ويحق لزوجها أن يهجرها حتى تستغني عن الشعر الذي قامت بوصله بشعرها.

ونستشهد على ذلك أن عائشة – رضي الله عنها – قالت: زوجت امرأة من الأنصار ابنتها، فمرضت، فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: إني أنكحت ابنتي، ثم، أصابتها الحصبة، فتمرق شعرها، وزوجها يستحثني بها، فهل علي جناح إن وصلت لها فيه؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لعن الله الواصلة والمستوصلة ” متفق عليه.

 

وجدير بالذكر أن لا حرج في لجوء المرأة للتزين بالشعر المستعار في البيت طالما وافق زوجها على ذلك. وبالطبع يُشترط أن لا تظهر به أمام الأجانب، لأن ذلك من شأنه التباهي وزيادة الجمال. ونستشهد على ذلك بما جاء في الصحيحين عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ قال: ( قَدِمَ مُعَاوِيَةُ المدينةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا، فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنَ الشَّعْرِ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ اليَهُودِ، إنَّ النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسلَّمَ سَمَّاهُ الزُّورَ، يَعْنِي: الوَاصِلَةَ فِي الشَّعْرِ). وهو ما يدل على تحريم وصل الشعر.

 

وجاء في الصحيحين أيضاً: عن معاوية رضي الله عنه أنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناول قصة من الشعر، كانت بيد حرسي، فقال: (أين علماؤكم يا أهل المدينة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه، ويقول: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم). وهذه الأحاديث التي تم نقلها عن معاوية رضي الله عنه، تقع كلها ضمن نطاق وصل الشعر نفسه. وهو ما تم تحريمه بالجملة بين كل الفقهاء والعلماء.

 

ويذكر أن امرأة جاءت إلى الرّسول ( صلّى الله عليه و سلّم ) و أخبرته إن إبنتها جاءها عريس و تعاني إبنتها من مشكلة في شعرها و تريد أن تظهر بمظهر جميل ( يحال الأمر الى أن شعرها قصير جداً) و أخبرت الرّسول هل يجوز أن تطول و توصل شعر إبنتها من خلال وصل الشّعر ، وأخبرها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إن هذا حرام وقال لعن الله الواصلة و المستوصلة ، أي من طلبت وصل لشعر و المرأة التي توصل الشّعر كلاهما ملعونتان في الدّنيا و الآخرة ، وتسحب المرأة من خلال شعرها إلى النّار   .

 

ما الفرق بين وصل الشعر وزراعته؟

الوصل: هو أمر منهى عنه في الدين الإسلامي، استناداً لحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين جائته امرأة تستأذنه في وصل شعر ابنتها لتجميله وتحسينه تجهيزا لعرسها، حيث أصابها المرض وضعفت فأجابها رسول الله «لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ» رواه بخاري ومسلم، وهذا يفسر وصل الشعر بأنه القيام بلصق الشعر أو وصله بآخر لغرض تطويله وتحسينه، وجاء أمر النهي والتحريم لكون ذلك يعد تزويرا وخداعا وغشا، كما أن وصل الشعر يحول دون وصول الماء إلى الرأس في حالة الغسل مما يبطله وغيرها من الأسباب الشرعية.

 

زراعة الشعر: هي عملية طبية تتم تحت إشراف كادر من الأطباء المتخصصون في هذا المجال، تهدف إلى علاج الشعر المتضرر نتيجة لأمراض تساقط الشعر أو الصلع، وتتم عن طريق أخد بعض البصيلات واقتطافها من المنطقة المانحة، التي ينمو بها الشعر طبيعيا في رأس المريض ثم القيام بزرعها وغرسها في المناطق المصابة والتي تحتاج إلى الزراعة. وبناء على ذلك فإن رد ما سقط من الشعر وعلاجه بطريقة طبية على وجه يزيل العيب و يستنبت الشعر بصورة طبيعية ويعيده لأصله، بحيث ينبت الشعر ويطول بنفسه بعد العملية يدخل من باب العلاج، ولا علاقة له بمفهوم الوصل المحرم شرعا، ويعد ذلك ردا على تساؤل حكم زراعة الشعر والذي يعوق الكثيرون عن القيام بالعملية .

 

هل ارتداء الباروكة حرام أم حلال؟

هناك حالات معينة تمت إجازة ارتداء الباروكة فيها وهي تلك الحالات التي تساقط شعرها نتيجة لمرض ما مثل مرضى السرطان، فهذه الحالات يجوز لها لبس الباروكة بشرط أن لا تظهر بها أمام الأشخاص الأجانب والمقصود هنا بالأجانب الأشخاص المحرمين عليها كما أن الشخص الذي يرتديها إذا أقدم على خطبة أو زواج لابد أن يعلم الطرف الأخر بحقيقة أمره حتى لا يعتبر ذلك غش، وإن كان الغرض من ارتداء الباروكة هو فتنة الجنس الأخر فهذا يجعل ارتداء الباروكة أمراً غير مباحاً.

 

والسبب في ذلك هو أن الباروكة تعد شكلاً من أشكال التزين ولكنها في الوقت ذاته تجعل الشخص يشعر وكأنه شخص طبيعي لا يعاني من أية مشاكل تجعله يشعر بالنقص.